ليس أدل على أهمية الكلمة وأثرها على قائلها من أنها الوسيلة التي جاءت بها الكتب السماوية والتعاليم الإلهية وبلغت بها شرائع الدين، فهي الأبلغ والأقوى في التواصل كلغة بين العبد وربه وبين البشر وبعضهم بعضا، وهي الأقوى في التوجيه والتأثير.

أليس بكلمة “لا إله إلا الله” تتغير حياة الإنسان ومصيره، أليس بكلمة “قبلت” يترابط الزوجان وتقوم الأسرة، وبكلمة “طلقت” تتقطع أواصرها وتتشتت، ألم تنتصر الكلمة “وا معتصماه” لامرأة سيرت من أجلها الجيوش، ألم ينط بها التوفيق للعمل الصالح والمغفرة في الآخرة كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) الأحزاب 70 ،71.

ألم يأمر بها الله سبحانه ويدعو لقول أحسنها (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)، ألم يحث عليها صلى الله عليه وسلم ويحتسبها من الصدقات (والكلمة الطيبة صدقة)، وقد أشار عليه أفضل الصلوات بالعضو المختص بها وهو يقول وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.

إنها الكلمة العبرة عن نفسية قائلها، المؤثرة في أذن متلقيها، وهي الأداة التي لا يمكن أن يعذر من أساء استخدامها مهما كانت المبررات لأن هناك من أطايبها ما يغني عن فحشها وبذاءتها، ولا يمكن أن يغفر لنشازها دفاعها عن قضية مهما علا شأنها، ولن يتقاضى عن سيئها مهما كانت دوافعها وأسبابه.

إن قضية الكلمة (صدقها وأدبها) من أهم القضايا التي يجب أن يتصدى لها المجتمع، ويضيق الخناق على من يهين نفسه بفحشها ويعكر مسامع الآخرين بها ممن لم تمنحهم الأقدار سعة الأفق وسمو الخلق ومن سيطر عليه فكره الضيق وطبعه النزق، خاصة في وقت أتيحت الامكانيات لرواجها من وسائل تقنية حديثة وشاشات فضائية وصحف يومية.

لقد كشفت ثوراتنا العربية ومآزق تمر بها الأمة عن رداءة الكلمات وزيف المصطلحات وكذلك الحال عند البعض في معالجته للأمور، حيث في أمثال تلك الحالات ينكشف لؤم الطباع وأصالة الآراء وزيف الأخلاق.

إن عالمنا العربي في شتى مجالاته التربوية والسياسية والإعلامية، التي فيها تحدث الكلمة أثرها ولها مدلولها وتبعاتها تطفو على سطحه وتعج في أرجائه كلمات تعرت من أقل ذوقياتها ونوقشت مشاكلها بأفضل كلماتها وكان حصادها الفرقة والخصومة بسبب ما قيل من كلمات لم ينصف قائلها ربه بطاعته وينصف نفسه بكفها عما يضرها وهو يعلم عاقبة ذلك على حاله ومآله.

هؤلاء هم أعداء الأمة

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة