هي زهرة تعيش بيننا، وتظهر أمامنا، ونستنشق أريجها كل يوم، في بيوتنا ومكاتبنا وفي جميع أحوالنا، لكنَّنا نغفل عنها أو ننسى، وكثيراً ما ورد في كتاب ربّنا تنبيهُ وتذكيرٌ لنا على هذه النعمة الكبيرة في حياتنا، مرّة بقوله: {وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}. (البقرة:154)، وأخرى بقوله: {لَوْ تَشْعُرُونَ}. (الشعراء:113)، وثالثة بقوله: {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. (الزمر:55). ورابعة في قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ}. (البقرة:9). وخامسة بقوله تعالى: {بَلْ لَا يَشْعُرُونَ}. (المؤمنون:56).

إنَّها زهرة استشعارُ النّعم وسط هذه الآلام، وتحسّس لطف الله ونسمات رحمته وسط هذا الرّكام، واستجابة نداء ربّنا وتوجيهه في قلب المحن والابتلاءات قال عزّ وجل: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}. (الشورى:47). وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. (الأنفال:24).

وفي هذه الوقفة الإيمانية، سنركّز على نعمةٍ واحدةٍ لنقطف زهرها، ونرفع بها سقف تأمّلنا ليزداد شكرنا، وهي مبثوثة في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. (قريش: 3-4). قال الشيخ السعدي، رحمه الله، في تفسيره: “فرغدُ الرّزق والأمن من المخاوف، من أكبر النّعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى”.

إنَّ نعم الله سبحانه على عباده كثيرة وعظيمة: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}. (النحل: 18)، ومن أعظمها: الإيمان والأمن. وما أجمل أن يكون استشعارها بمنهج الإعمار الذي أراده الحق سبحانه لهذه الأمَّة: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}. (هود: 61).

نستشعر هذه النعم في بلدنا قطر، التي هيّأها الله لنا، لتواجه هذه الجائحة بفضل ومنّه سبحانه.

نستشعر النّعمة كيف تجاوزناها بفضل الله، في حين عجزت عن ذلك كثيرٌ من الدول العظمى.

نستشعر النّعمة والفضل منه سبحانه، حين كانت دولتنا تتعرّض لسنوات لحصار جائر، حسبناه شرّاً لنا، فإذا به هو هدية من الله تجسّدت في لطفه، لتتهيَّأ البلاد لأمر هو أشدّ وأخطر وأكبر، خلال هذه الجائحة، فيمرّ بفضل الله سبحانه، وما وفّقت إليه حكومتنا الرّشيدة، في التعامل معه، فكان برداً وسلاماً على كل من يعيش على ثرى هذه البلاد.

نستشعر قيمة التوجيهات في الاحتراز من خطر هذه الجائحة، وهو الالتزام في البيوت، فأشدّ ما واجهه الشعب هو حجرُ البيوت، آمنين مطمئنين، فكان هذا الحجرُ حجراً واحترازاً وبعداً من الإصابة بهذا الفيروس من ناحية، وإنقاذاً لقلوبنا وأرواحنا من كثير من الانشغال بصخب الحياة، وما يعانيه النَّاس من خطرها على القلوب والعقول والجوارح، وهم لا يشعرون.

هي زهرة الاستشعار، حين نقطفها في حياتنا، نسمو بعبادتنا القلبية التي هي من أفضل العبادات، وهي الانكسار بين يدي الله تعالى، امتناناً لعطائه وشكراً لنعمائه سبحانه، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. (يونس:58).

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة