مُحتوى القُصَاصَة

 

من أشدِّ اللَّحظاتِ ألماً، أنْ يكون لقاؤنا الأخير، وأنتِ على فراشِ المرض،
لكنَّك ستفعلينها وتَنْهَضين، بإذن الله،
بيدنا البوصلة، وعيوننا ترقبُ آمالاً مشتركة تتوقُ رؤيةَ النُّور.
نورة … يا وسيمة التُّقى … كُوني بخير…
أختكِ نجاح البخيت
الخميس 29/10/2015م
15 محرم 1437هـ

 

قِصَّة القُصَاصَة

إنَّها قُصَاصَةٌ ليست كالقُصَاصَات التي جمعتها في هذا الكتاب، فلم أستفردْ بها كقُصَاصَةٍ يسهلُ فصلُها وطيُّها، بل رأت صاحبةُ القُصَاصَة أن تكون صفحةً تحوي إهداءً منها لكتاب قيّم اختارته لي، تلاقت أفكارُنا في محتواه، وحمل هموماً تشاركنا فيها، وكثيراً ما ناقشناها في جلساتٍ تجمعنا.

فكان إهداؤها لي على أولى صفحاته، له وَقْعُه في القَلب، ألهبَ مشاعره وحرَّك بوصلته إلى اتجاه آخر كثيراً ما أشارت إليه البوصلة القرآنية، وأشاد به خيرُ البريَّة، عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام؛ إنَّها المحبَّة الأخويَّة التي تنسج خيوطاً بدون وشائج قُربى ودَمٍ، ولكنَّها وشائجُ الحبِّ فيه والقُربِ منه.

لم يكن يربطني بها صلة قُربى أو رَحِمٍ، ولكن حقَّقت علاقتي معها أوثقَ عُراها، وأدركت قولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عندما قال: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ)).

وشاء الله، أن أستلمَ هذا الكتاب، وما يحويه من إهداء، بعد عودتي من رحلة علاج، شاءَ تدبيرُه ولطفُه ألّا أشهدَ لحظاتِ الوَدَاع؛ حيثُ أدركتُ صعوبَتها عندما عَلِمْتُ بذلك، وكانت تَخُونني قُدرتي وتَخنقني عَبْرَتي بمجرَّد أنْ أذكرَها.

قرأتُ سيرَتها الذَّاتية عندما عرضت طالبةً الوظيفة في مركزنا؛ مركز آل حنزاب للقرآن الكريم وعلومه، وكان ثراءُ سيرتها وغرابتها هو ما جعلني أشرفُ بنفسي على لقائها، حيث كان التَّعارف الأوّل.

كانت سيرة ثريَّة مدهشةً؛ ما بين تخصّص هندسي في الزراعة، كان نصيبها منه فقط الشَّهادة، إلى حفظ كتاب الله وتعلّم علومه، ثمَّ تعرج بها الأقدار لتوطّد علاقتها بكتاب الله العزيز في تدبيرٍ إلَهيٍّ، نرى فيه أنَّ الله عجَّل بإعدادها لمرحلةٍ وظروفٍ تنتظرها، حيث قَدَّر سبحانه ودبَّر الأحوالَ لتكون مَحَطُّتها مركزَنا، بعد مغادرتها لبلادها في ظروفٍ قاهرة، جعلت الأرضَ تضيق عليها بما رَحُبَت، لتحطّ بهم الرِّحالُ في دولة قطر، كعبة المضيوم، هي موطنُ الخير والملاذ.

لقد كانت مقابلة تجاوزت مطالبَ المهنة التي توفَّرت، وقوَّة الشَّخصية التي ترى فيها عزَّة القرآن وصدقَ اليقين بما كتبه الله ودبَّره لعباده، إلى مشاعر أخوَّة وتآلف وثِقَة، ملأت أرجاءَ المكان الذي تزيّن بأجمل الألفاظ، فاستقرَّ في القلوب راحةً وسكينة واطمئناناً.

وهكذا أخذت مكانَها في مركزنا كمعلّمة لكتاب الله، أبتْ مناصبَ إداريَّة عُرضت عليها، وآثرت أن تكون في أجمل ما يكون تبليغاً لآياته، وأعمق ما يُوصل تطبيقاً لأحكامه، وآخذة بأقصر الطُّرق، ليستقرّ في القلوب محبّةً للخالق وشكراً وامتناناً له سبحانه.

تركتُها مع كتابِ الله الكريم تُعلّم آياته وتصحّح تلاوته وترشد إلى هداياته، وتبلِّغ دعوتَه، وتتجسَّد فيها أخلاقه، لأعود فأجد هذا الكتاب محتوياً هذه القُصَاصَة؛ وهو الإرثُ الذي تركته لي بعد رحيلها.

حتَّى وإن كانت ورقة تصدّرت أولى صفحاتِ كتاب، إلاَّ أنَّها نَقَشَت محبَّة أخويَّة في أسمى صورها وأصدق معانيها، والتي كثيراً ما تأمَّلتها وقلَّبت صفحاتِ كتابٍ احتواها، فَهَيَّضَتْ مشاعرَ أخوية استودعها ربّي حبّاً وشوقاً لها، لا أملكُ حِيَالها إلاَّ عَبَراتٍ أحاول كِتْمَانها، ودعواتٍ لله أرفعُها، لعلَّ هناك لقاءٌ يجمعنا.

لتحميل القصاصة القصاصة السَّادِسَة

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة