مُحتوى القُصَاصَة

 

 

البنت العزيزة الغالية الصَّادقة المؤمنة نوره بنت علي، حفظ الله لها دينَها وزوجَها، وباركَ فيهما ولهما النيَّة والذريَّة، إنْ شاء الله تعالى، وإجازةً سعيدةً.

 المُحبُّ لكِ

حمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني

لندن، الثلاثاء 18/07/2016م

 

قِصَّة القُصَاصَة

القصَّة ليست في هذه القُصاصة فحسب، والتي كثيراً ما يوزّع مثيلاتها في العديد من الأوقات والمناسبات، والتي طالما أسعدَ بها قلوبَ أرحامٍ له بوَصْلِهم روحاً وجسداً، وأدخلت بفضل كلماتِها السُّرورَ على أشخاصٍ شاركَهم مناسباتِهم، وآخرينَ مساكينَ وفقراءَ عالجَ بها كربَهم، وفرَّج بفضلِ الله تعالى همَّهم، قال الله تعالى:

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. (يونس:58).

 لم تكن القصّة في تلك المحطّات والمناسبات، بل القصة تكمن في سرّ عميقٍ اسمُه (البركة)؛ التي كثيراً ما بحثتُ عن معانيها وأسرارها في حياتي، وحاضرت في فضلها بين الناس، جاهدةً في السَّعي لاكتسابها وإكساب من يسمعُ عنها، لعلَّنا جميعاً نظفر بثمرتها ونحظى باستشعارها ونلمس أثرَها في الواقع؛ إنَّها بركةُ العمر التي وجدتها في شخصه، وعمَّر بها وقَته، وشكر الله بإذنه سعيه المبرور، إنَّها بركةٌ تقصَّيت أصلَها فيه، وأمضيتُ طرفاً من تفكيري باحثة عن جذورها ومنبعها في حياته؛ هل كانت في سيرة ذلك الوالد التقيّ – ولا أزكّي على الله أحداً- اهتداءً بقوله سبحانه: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}. (الكهف: 82)، تلك السيرة العطرة التي شَهِد له بها كلُّ من ظفر بفترة من عمره عاشها معه، فلمس فيه -رحمه الله -ذلك الإجلال بشعائر الله سبحانه من إقامة للصَّلاة وتلاوة كتابه، والإحسان للفقراء والمساكين، والإكرام للجار والضيف والصَّديق، والتميّز في قُربة صلة الأرحام التي أدهش بها البعيد قبل القريب.

 أو كانت تلك البركة في والدةٍ مباركةٍ ((جُوَيْرِيَّة قومِها))؛ المرأة التي غرست فيه معاني حبّ الخير، وأرضعته لبنَ العزَّة بالنَّفس، والفخر بالأهل، وصلة الرِّحم، وإكرام الضَّيف، وحسن الجوار، وجبر الخواطر.

أمْ كانت هذه البركة بسبب تلك الوِلادة المقدَّس مكانُها المعظَّم زمانُها، والتي طال انتظارُها، فقد كانت ولادته لوالدٍ – رحمه الله – تقدَّم به العمر، وكانت ذريَّتُه ثمانٍ من النِّساء لم يخالِطْهم سوى أخٍ وحيدٍ، فكأنَّ تباشيرَ قدومِه إلى هذه الدَّنيا، قد ضجَّت بها أصوات وأصداء الأئمَّة والخطباء في أرجاء مسجدِ رسوله -عليه أفضل الصَّلاة وأزكى التسليم -في طيبة الطيّبة (يثرب) التي فيها بلّغ رسالته ونشر دَعوته وأسَّس دولته.

تهانٍ بليغة ومباركات سعيدة استقبلها هذا الوالدُ العظيم بهذا المولود المحظوظ، لتختلطَ مشاعرُ الفرحة والتفاؤل بالتعرُّض لبركاته سبحانه وتعالى في أشهرٍ حُرُمٍ ومكانٍ عَظُمَت مكانتُه وعمَّت بركتُه.

وكان أثرُ ذلك حفظ الله تعالى له، ونجاته من حادث سير مروّع، تعرّض له مع والدته ومرافقيهم، وهو وليدٌ في مهده، عند عودة العائلة من مصائف لبنان عام 1961م، والتي مازال يحمل أثرها في وجهه الطَّاهر.

إنَّها البركة بكلِّ معانيها؛ فالأيَّام والسَّاعات هي تلك التي تمرّ على الجميع، ولكنَّ فضلَ الله كبيرٌ، بأن يجعل في دقائقها زيارة القريب، وعيادة المريض ومواساة الحزين، وبرّ الوالدين، وصلة الرَّحم وقضاء الحوائج وتفقّد الغائب وإدخال السُّرور، ليس ذاك فقط، ولكنَّ تقديم ذلك كلّه، في أبهى صورة وأحسن حلّة وأجمل معاملة وأرقى سلوك وألطف لمسة، و((بأجود ما يكون))، فقد تجسَّد فيه من ذكرهم ربُّهم بأنَّهم كانوا: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}. (المؤمنون: 61)، نحسبه كذلك، ولا نزكّي على الله أحداً.

نصيبُ الأموات والرَّاحلين عنده فرضٌ؛ في زيارة رحمهم والوَقْفِ المبارك المبرور لهم، وعيادة المريض مقدّسٌ عنده، حتّى لو كلَّفه ذلك أن يتجشمَّ الصّعابَ ويعبُرَ المحيطاتِ لعيادتهم، والمشاركة في أفراحهم ومشاطرة الأتراح والأحزان واجبٌ ألزم نفسَه به.

تقلَّد في حياته ومسيرته الحافلة بالعطاء، من المناصب أعلاها، وتحمَّل من المسؤوليات أكبرَها، فاجتهد فيها وأدَّى أمانتها بإخلاصٍ وتفانٍ، فزادت بركةُ عمره وأثمرَ وقتُه، وكثرت بصماتُه وآثار عمله، حتّى ترك ما حوله به مبهورين، وبأعماله في البرّ والخير مقتدين، وعن التعبير عنها عاجزين، وبالدُّعاء له بالتوفيق والنَّجاح تلهج قلوبهم كلّ وقتٍ وحين؛ إنَّه خالي المبارك الشيخُ حمدُ بن ناصر آل ثاني، ومن سألتُ اللهَ سبحانه له، طولَ عمرٍ وصلاحَ عملٍ، وأن يعطيَه خيرَ ما يُعطي عبادَه المخلصين، وحياةً عامرة بالصَّالحات في الدنيا، وحياةً خالدة في جنَّات الفردوس في الآخرة مع والدَيه وذويه والأحباب أجمعين.

لتحميل القصاصة القصاصة الثَّانية

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة