مُحتوى القُصَاصَة

 

إنّها إحدى شعب النفاق الاجتماعي أن تكون ملحاحاً في المطالبة بمنفعتك الشخصية الضيّقة، ثمّ تتواني عن ترسيخ مبدأ مهم وأكيد (ديمقراطية) سوف تكبر بمرور الوقت دوائر منفعتها وتسهم في تعزيز دور المؤسسات التمثيلية، لينعم أبناؤنا وأحفادنا وأجيال قادمة بالعدل والحرية والمواساة وتلك غاية أثمن وأشمل نفعاً من فوائد (البطاقات).

قِصَّة القُصَاصَة

قُصاصة أعجبني ما دوّن فيها من أفكار ومبادئ وقيم، غير أنّي لست متأكدة، هل نقلتها من تغريدة؟ أو من مقالة في جريدة؟  لكن وكما يقال: ((العقول العظيمة تُناقش الأفكار لا الأشخاص))، فمهما يكن مصدر تلك القصاصة، فقد نطقت بالحكمة، والحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجدها فهو أحقّ الناس بها، وقد وجدت في هذه القصاصة أمراً يهمّني، وأرقب تطوّره عن كثب وأتابعه باهتمام، عسى أن يتم تحقيقه وترسيخه في هذا البلد، وذلك بقيام مجلس شورى منتخب يعضد الحكومة ويساعدها في تحقيق ما تصبو إليه، من دولة مستوفية كلّ عوامل قوَّتها ونهضتها ومكانتها بين الدُّول المتقدّمة.

لقد وافق رأيي رأيَ من حفظت فكرته في هذه القصاصة، وأعجبت بفكر متطلّع لمستقبل زاهر، يسعى لتأسيس نظامٍ لأجيال تورث الحرية وكرامة العيش، منتقدّاً حرص بعض أفراد المجتمع ومطالبتهم المستمرة وسعيهم الدّؤوب، عندما يتعلّق الأمر بمصالح ذواتهم وشأنهم الخاص، وقد يكون موضوعاً مادياً أو حاجةً إضافية على ما هو متوفّر لهم، أو شيئاً كمالياً يمكن الاستغناء عنه.

وفي الوقت نفسه، لا ترى حماساً وتشجيعاً لإنجاز ديموقراطية تتطلّع إليها الشعوب، مع أنَّها قدّمت لهم على أطباق من ذهب، في حكومة رشيدة تعلم علم اليقين أنَّ كمال دولتها وقوَّة حصونها يكمن في ديمقراطية شعبية تساندها، وتكون عوناً لها في الملّمات، وتجعل لها المقام والحساب عند الدّول الأخرى الديمقراطية وفي المحافل الدولية.

لقد أتاحت دولتنا للمواطنين تجربة انتخابية في تأسيس المجالس البلدية، ووضعت الدستور لتأسيس دولة قانون وسيادة يشارك فيها الجميع قيادة وشعباً.

وإنَّ من أجلّ النّعم على الإنسان، وطنٌ ينعم به بالأمن وكرامة العيش والرخاء، فتلك مقوّمات أساسية ينشدها الفرد، بل حثّ عليها دينُنا الحنيف، دينُ الرَّحمة والكرامة والإنسانية، على إفراد العبودية لله تعالى في سورة قريش {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}، أي: ليجعلوا عبادتهم شكرًا لهذه النعم واعترافًا بها، لأنَّ الله تعالى {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. فحقّق لهم الحياة الآمنة المستقرة، في الأمن النفسي والأمن الغذائي، وتلك نعمة كبيرة تستوجب الشكر لله تعالى صاحب الإنعام والإفضال كلّه.

وفي معرض بيانه عن أهمية الاستقرار وخطر وعواقب أن يعيش الإنسان مستضعفاً في أرضه ووطنه، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. (النساء:97).  وتوعَّد بسوء المصير لمن قبل بالاستضعاف والذل والمهانة على نفسه والاستكانة، وهو قادر على دفعه عن نفسه والاستنهاض، فقال: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

إنَّه ليس أكرم على الإنسان من بيئة يتنفس فيها الحرية، التي يزداد سقفها بعبوديته لله وحده، الّذي كرّمه بآدميّته وخلقه بيديه، ونفخ فيه، بدين جعله عابداً لله وحده، يستمد منه عزّته وتحرّره، والتي كلّما ازدادت في النَّفس تعمّقاً، كلَّما تحرَّر ممَّن سواها؛ فقوَّة الوطن تكمن في عقيدة صحيحة لأفرادها، وعلمٍ نافعٍ كلٌّ في مجاله، وأخلاق تحكمهم قبل القوانين.

 ولقد حبانا الله في هذا الوطن بكل نعيم يتمنّاه الفرد ويسعى له؛ من أمن تصدّرنا قائمته في العالم، وتعليم تجد بلدنا في مصاف الأوائل في جودته، ورخاء اقتصاديّ أثبت تميّزه وكفاءته في مشهد تحدٍّ لم يسبق له مثيل، على الرّغم من أزمات توالت عليه من حصار جائر إلى جائحة كورونا.

لقد تَصَدّر قوائم العالم رخاءً بشهادتهم، ويشهد بذلك كل من حظي بتجربته واقعاً من مواطن أو مقيم، وعلى كل الأصعدة تفوّقت حكومتنا في إدارته بنجاح، على نحو لم يشعر الشّعب بأيّ تغيير في توفير حاجاته أو مستوى خدماته.

إنَّ الأوطان وأجيالها المقبلة لديمومة قوّتها وعزّتها ورخائها تحتاج إلى نظام شورى ((ديمقراطي)) يحفظها ممَّا يهدّدها من فوضى إلى نظام يُرسَى، ومن عدوان قد يباشر عليها إلى سيادة القانون، ومن تحكم الغرائز إلى تنظيمها.

لقد حكم دولتنا عظماء بداية من مؤسّسها الشيخ جاسم بن محمّد – طيَّب الله ثراه – إلى مؤسّس حداثتها الوالد الشَّيخ حمد بن خليفة – متّعه الله بعافيته وعفوه – ثمَّ بأميرها ورمز صمودها وعزّها الشيخ تميم، أيَّده الله، ومن تجسَّدت في شخصه الزَّعامة وترسّخت في حكمته القيادة.

 لقد بدت عظمتهم وتميّزت بعظيم الكفاءة، ونكران الذَّات ودماثة الخلق، ملكوا بها قلوب شعبهم حبّاً لهم وامتناناً لما شهدته البلاد في عهدهم، وعلى كافة أصعدتها من تطوّر ونماء وازدهار ورخاء، متطلّعين نحو تتويجه بمجلس منتخب، يشارك فيه الشَّعب، ويكوّن بهم الوطن حصنه المنيع ((حصن الشعب)) وقوّته النَّابضة بحبّهم، وروحهم المتجدّدة بإيمانها بربّها، فهذه من أقوى القوى التي تصنع الأمم، قوَّة الروح التي تتوقَّد بالإيمان، لتكون روحاً مبدعة خَلَّاقة تبعث بالحياة، وتنبت في الأمَّة فضائلها التي تشيّد بها الحضارات.

لقد أجاب الله دعوة لأميرنا، فجعله محبوباً لشعبه غير أنَّ تعبيرهم مختلف عن غيرهم من الشعوب التي أنفقت دولهم الملايين على نُصب تذكارية لزعمائهم ، ولكنَّ كثيراً منها حُطمت أو أصبحت رمزاً لتصبّ الشعوب غضبها عليها، غير أننا كوطنٍ ومواطنين، لنشعر بالامتنان للأمير الوالد وللأمير الشيخ تميم، وهم واثقون بأنَّ أوسمة العظمة التي يستحقونها وألقاب الخلود التي تليق بهم، سيسطرها لهم تاريخٌ ناصعٌ وقلوب شعب تشهد لهم على تعاقبها.

 غير أنَّ ديننا الحنيف يوجّهنا بأن نجعل لعظمائنا وقادة مسيرتنا قلوباً تنبض بالحبّ، ونوراً يُضيء بالنصيحة والمساعدة، لا أحجاراً صامتة ترفع، ولا أموالاً باهظة تُهدر، بل عظمة تُذكر بهم في كلّ حياة كريمة للجيل من غير نصب ولا تمثال، فلهم تقديرُ التَّاريخ، وثناءُ الشَّعب، وجزيلُ الثَّواب من الله الكريم.

 لقد عشنا في عهدهم الشموخ بكلّ أنواعه، وفي أنبل صوره، وفي أبهى معانيه؛ شموخ نحياه في عيش كريم، ونلمسه في رخاء حياة، ونراه في نهضة عمران، ونستشعره في صمود وعزَّة في ميادين مواجهة الأزمات، ومواطن حضور متميّز في المحافل.

وحتَّى يكتمل شموخ هذا البناء وتُرسى قواعده وتعزّز مبادئه، لا بدَّ من استعجال استكمال بيئته الديموقراطية؛ القاعدة الرَّاسخة لبناء الدول والحضارات والضامن الوحيد لكرامة عيش الإنسان وحفظ مقدّراته.

إنَّنا نتطلّع إلى مجلس شورى نستكمل به شموخنا متمثلاً في ((رضا)) يعزّز حباً تربّع في قلوب الشَّعب لحاكم يمتنّ له وطنٌ بمواطنيه ومقيميه، بكل ما يعيشه من كرامة يشهدها في كل تحرّكاته وسعيه لمعاشه؛ فهو الحاكم الذي انطوت الصدور على حبّه، ولهثت الألسن دعاءً له، وستبقى الأجيال مديونة له.

إنَّنا نتطلّع للرّضا الَّذي تجد الأنفس مأسورة فيه لوطن ينعم فيه الجميع بمواساة فيما يمنحه لهم عطاءً متساوياً بين أفراده، لا يحجب الأنس به تفاوته بين الأفراد.

لقد لفت انتباهي رضاً أجده عند شعوب الدّول الديموقراطية ممَّن ينعم مواطنوها بقانون تخضع له كلّ أمورهم، حدّدت واجباتهم وضمنوا حقوقهم، على ثقة أنَّه لا مجال فيه للمحاباة، ولن ينتقص من حقّهم أحد.

 تجد الرّضا وهم يدفعون ضرائب خدمات تقدّم لهم، وتجده في حرص على المحافظة على بلدانهم، والالتزام بقوانينها، والحرص على مظهرها ونظافتها. لقد سألت سائقاً عربياً يحمل الجنسية الأمريكية عن هذا السرّ في ولائهم وإخلاصهم وحبّهم، فكان ردّه كلّه امتنان لبلدٍ احتوتهم وآثرتهم، ووفّرت لهم خدمات متميّزة، أبلغها تأثيراً عليه عناية حظيت بها ابنته ذات الاحتياجات الخاصة، وإشادة برعاية طبية هُيّئت لها تصلها إلى بيتها.

إنَّه حالة الرّضا التي يحتاجها الشَّعب يصنعها شموخاً للوطن، ويستكمل ديموقراطية تُرسي دعائم دستور لا محاباة فيه، وتعزّز استقامة دائمة في الأمور كلّها.

نرنو إلى ديمقراطية بها يشمخ الوطن لنشر عدل يملأ قلوب المواطن رضا، ويستشعر جهداً ويقظة بذلت لدفع الأخطار عنه.

نستشرف ديمقراطية يرى القائمون الذين تصدّروا مناصبها العليا، بأنَّهم خدام الأمَّة وأمناء على ثرواتها، وأنَّهم أكثرهم واجبات.

 ونتطلّع إلى ديمقراطية يتعاون فيها الجميع في طريق صون فضائل الأمَّة من أن تذوب، وتحفظ أخلاقها من أن تنحط، وتحمي عقيدتها من أن تلوَّث أو تذوب في ظل هذه الفتن وعبث التقنيات.

إنَّنا ندعو إلى ديمقراطية ليكمل شموخنا بالمشاركة في السياسات الدولية، بعقول تنوء بها عن العواطف والمجاملات، وتثبت مصالح ضمن مبادئ الحقّ والخير والسَّلام، تكتسيها الأخلاق والعلم والدّهاء، فكلّها مطالبٌ لكلّ من يتصدَّر سياستها.

ونستشرف ديمقراطية تعزّز مكانة الوطن وتوجّه عقولها بالتركيز على تنمية العقول بالعلوم والآداب والثقافات، وتسمو بأخلاق قائمة على الاحترام، مؤكّدة على تقديم الخير ونبذ الفساد.

ندعو إلى ديمقراطية يستشعر فيها المواطن تاريخاً يقول لرجاله: ((عُفُّوا تَعُفُّ وُلاَّتُكُم)).

نتطلَّع إلى ديمقراطية توجّه قضاتها لبيان أنَّ القوي عندهم ضعيفٌ حتَّى يؤخذ الحق منه، والضَّعيف قويٌّ عندهم حتَّى يؤخذ الحقّ له.

نرنو إلى ديمقراطية يرى المواطن فيمن تصدّر عاليَ وظائفها خادماً لمصالحهم، أميناً على حقوقهم، ليحتفظ الوطن لكلّ من على أرضه بالاحتواء والإكرام الَّذي هو طابعه، وليبقى ((كعبة المضيوم)) لكلّ مَنْ قصده.

إنَّها ((ديموقراطيةٌ)) بها يكمل بناء دولتنا، فعسى أن يحثّ سيرها ويُيسر لها خير الهدّاة.

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة