مُحتوى القُصَاصَة

ربيعُنا القطري بدأ باكراً ((قالها سموّه))، عندما سُئِلَ عمَّا سُمّي بـ”ثورات الرَّبيع العربي”.
نعم، ربيعنا بدأ باكراً، بزمانه ونموذجه، أنموذجاً متفرّداً في نمطه وأحداثه، وهو أحرى أن يُحتذى به، فهو درسٌ يُتقنه ويُقدِّمه مَنْ أحسنَ ماضيَه، وأخلصَ في حاضره، وبات مُتطلّعاً يَرَى نتائجَ عَمَلِه.
هو درسٌ سيُضرَب مَثَلاً، تتناقله الأجيالُ القادمة لندرته ولآثاره المبهرة.

قِصَّة القُصَاصَة

قُصاصةٌ وجدتها محفوظةً بين أوراقي ودفاتري، وأنا أرتّب مكتبي، الَّذي تزاحمت أوراقُه وكتبُه وقُصاصاتُه، حتّى جاءت جائحة كورونا، التي ألزمتنا البيوت، ودفعتنا للرّجوع إلى مكتباتنا المنزلية لنقوم بنفض الغبار عنها والبحث فيها، فكانت هذه العملية هي إحدى الآثار الإيجابية لفيروس كوفيد 19 والحجر المنزلي، الذي أرجع لبيوتنا اعتبارَها، والتي تمثّل المكتبة فيه إحدى ركائزه المهمّة.

هي قصاصة لم أجد عليها تاريخاً – وهو من الأشياء التي أيقنت قيمتها مؤخراً – وأدركت أهمية كتابة وتدوين التاريخ على كل ما نخطّه من أوراق أو قصاصات على كتبنا أو دفاترنا، فحتماً ستعلم أهمية ذلك لاحقاً، كما يحصل الآن.

هي قُصَاصَةٌ تَبَيَّن من صياغة كلماتها، أنَّها كُتبت وقتَ تنحّي صاحب السّموّ الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة، حفظه الله، عن الحكم بتاريخ (25/يونيو 2013)، وتولّي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد، حفظه الله، مقاليد الحكم خلفاً له.

وكعهدي بنفسي في كلّ حَدَثٍ يُحرّكني ويستثير عواطفي وينتشي به عقلي، أفرغه على ورق، لأجد في ذلك الرَّاحة والطمأنينة، وكأنّي أستودعُ هذه المشاعر والأحاسيس المؤثرة خزانةَ ((أفكاري))، لأطالعها عندما أحتاج إليها، كلّ وقتٍ وحينٍ، فأعثر فيها حينئذ على كلِّ نفيسٍ وثمينٍ.

هذا هو الحالُ مع هذا النَّوع من المشاعر، وقد يكون عكسها في حالاتٍ أخرى، ولكنَّها تكون مرحلة لاحقة، عندما ينكسر الفؤاد وتدمع العين، فيسبقها سجداتٌ لله تعالى، أبثّ فيها شكواي لربّي سبحانه، وأفضفض بين يديه ما يختلج نفسي، وأفرغ فيها شحنات سلبية، تؤذي جسدي قبل أن تؤثّر على نفسي، عندها يكون القلمُ والوَرَقُ وجهتي التَّالية.

هذه الأوراق أو القصاصة من النَّوع الأوَّل، أعيدُ كتابةَ ما وجدته فيها، وأسترجع ذكريات مَنْ حملت أسماءَهم ودوّن التاريخ أعمالهم ومواقفهم، وعايش النَّاس أمجادَهم وإنجازَهم، ليتمكَّن القارئ الكريم من استرجاع أفضال قيادة رشيدة في هذا البلد العزيز، خصّنا الله بها، وبفضله سبحانه، ثمَّ بهم نَنْعَمُ بالعيش الكريم في أرجائه، ونلمس نعمة الأمن والأمان والإيمان في رَغَدِه، ونستظل بالخير والعطاء والاستقرار في ظلال نعيمه.

((رَبيعُنا القطريُّ بدأ باكراً)) كلمة قالها سموُّه، تزامناً مع ما أطلق عليه بـ “ثورات الربيع العربي”، ونحن نقول: ((رَبيعُنا حَمَد)).

نعم، ربيعُنا حَمَد، لأنَّه هو من جدَّد هذا الرَّبيعَ بزمانه ومكانه، هو صانعُه وفاعلُه، هو مبدعُه ومنجزُه، فزمانُه شهرُ يونيو أي الشَّهر السَّادس من السَّنة الميلادية، والمعروف بِحَرِّه الشَّديد، ولكنَّه جاء ربيعاً، فكان برداً وسلاماً على قطر ثراها وسُكّانها.

والمكان ((قطر)) أرض الرَّخاء والأمان، موطن الأصالة والشهامة والقيم، حيث أخلاق وشيم أهلها وسكّانها، والصَّانع فيها ((حَمَد)) الابنُ البَارّ، والقائد الفذّ، والوالد الشُّجاع الحَكيم.

لقد أتعبت من مثلك في حكمتك وقيادتك وتنحّيك، حيث كانت ثقتنا فيك عمياء، لم تُخيِّب لنا ظنّاً، بل رفعت لنا عِزّاً، وزدت لمواطنيك شأناً، وأغدقت عليهم كرماً وفضلاً.

 مارست القيادة وشاركت في رسم سياستها، في عنفوان شبابك، أبهرتنا بإنجازات في عهدك قد تحقَّقت، وما جزاؤك إلاَّ أن نبارك خطواتك، ونبتهل إلى الله سبحانه بأنْ يَهَبَ لك سنين مديدة، ويمنحك صحّة وعافية، ترى فيها حصاد ما زرعته. ((الشيخ تميم، نتاجك الذي خدم الوطن وأبدع للمواطن)).

لقد فعلتها يا صاحبَ السموّ ((حمد))؛ لأنَّك مختلفٌ في خِضمّها ونَاءٍ عنها، ولأنَّك ظاهرة سياسية وقيادية مختلفة، يندر في هذا الزَّمن نوعُك.

فعلتها لأنَّك استلمتها وما استسلمت لمؤثراتها، كنتَ ظاهرةً بحالها، مارستها بنَمَطٍ مُختلفٍ تماماً، كنتَ متباعداً عن تأثيرها، وقد حقَّقت ما حقَّقت فيها، ولأنَّ تطلّعاتك عالية، لم تستلم لمغرياتها، ولأنَّ لك نظرة تجاوزت الواقع ((سَلمْتها)).

هو قرارٌ اتخذته في وقتٍ فاصل، أتقَنْت صُنعَ ما مضى، وأبدعتَ في إنجاز ما تفخر به البلادُ ويسرُّ العباد، وتريد أن تقرَّ عينك بحسن طالع ومستقبل مجيد زاهر، ما ينتظر على أيدٍ شابة، تخرّجت من مدرستك، وتربَّت في كنف رعايتك وتوجيهك، وتدرّجت في مراحل مسيرتها بفضل تخطيطك وجهودك، واستقت تعاملها من معين إنسانيتك، وألهمها طموحُك في الحاضر ونظرتُك الثاقبة للمستقبل.

تَولَّيت في ظروفٍ غير عادية، قاومت فيها العواطفَ الوالدية، وكفَّيته عندما رأيت برؤيتك وبصيرتك، أنَّ الزمان يستوجب التَّغيير، وأثبتَّ بأنّك الابنُ البار ((وإنْ بدا لقُصَّار النَّظر غير ذلك))، فقد قُدْت السَّفينة في بحرٍ متلاطمة أمواجُه، وخُضت طريقَها المحفوف بالمخاطر بحكمة واقتدار، حتَّى أرسيتها على برّ وشاطئ الأمان، بفضل الله سبحانه، ثمَّ بفضل حِنكة وحِكمة وَهَبَكَ الله إيَّاها.

كانت ظروفٌ صعبة اقتحمت غِمارها، وتغلَّبت على وعورتها، حيث جعلت المواطن والوطن نصبَ عينيك؛ (أمنَه واستقرارَه، ومجدَه ورخاءَه، حاضرَه ومستقبلَه، وحفظَ مقدراته وحمايةَ مكتسباته)، فأنهيت مشكلتنا الحدودية مع البحرين، وفرَّغت الجيل من مشكلة عانى منها طويلاً، ووجَّهت هَمَّهُ وطاقاته وإمكانياته نحو مزيد من التطوير والتَّنمية والإبداع والتميّز في شتى المجالات.

أنشأت الدّستور للبلاد، الَّذي به تُحفظ الحقوق وتُصان الأعراض وتُعزّز العلاقات والقيم ويُنشر العدل وترسى العدالة ويشاع الخير وتُحمى الحريات.

 مارس الشعب أوَّلَ عملية ديمقراطية بإنشاء المجلس البلدي لتأهلّهم لمجلس الشورى، يشارك ويعاون في تكوين وطن يحترم أفراده ويفرض احترامه على الآخرين.

 سعيت ولبَّيت وشاركت في قضايا الأمَّة العربية والإسلامية وهمومها، وجعلت دور قطر بارزاً في كلّ المحافل، ورفعت اسمها وذكرها في كلّ الدُّول.

قرارُ تنحّيك عن الحكم، فَرِحْنَا به ثقةً منَّا بك وبكل قرارتك، وآثرنا ما تريد على رغبتنا بالتمتّع في ظل قيادتك الرَّشيدة، والتي كنت قد أرسيتَ أركانها، وأحكمت قواعدَها، وشيَّدت بُنيانَها، وحرصت على رخائها وازدهارها.

ترجَّلت فارساً شامخاً، لتبقى بصماتك تملأ الأرجاء، وتحكي إنجازاتك، ومحبَّتك متربعة في قلوب شعبك، والألسن تلهث بالدُّعاء لك.

لقد أتعبت أقرانك من الحكّام والسَّاسة، وأنت في خضمّها ومعتركها، ترسي معالمها وتبدع في إنجازها وتسهر على قيادتها وتخطّط لمستقبلها، وها أنت تتعبهم مرّة أخرى وأنت تنأى بنفسك عنها، بإبداعٍ قلّ مثيلُه، وبطريقة عزّ نظيرُها، وقطرُ كلُّها تحكي روعة إنجازاتك وتميّز عطائك وجميل بصمتك.

الآمال كبيرة في أميرنا الشَّاب، لأنَّه هو نتاجكم، وتفاؤلنا به كبيرٌ بحجم إنجازاتكم، ما نشهده اليوم مشهد Exclusive في ((قطر فقط))، لم تشهده المنطقة الخليجية ولا البلاد العربية ولا الأنظمة الملكية، ((هو مشهدٌ قَطَرِيٌّ بَطَلُه حَمَد))، ولذلك نقول بأنَّ رَبيعَنا ((حَمَد)).

كلمات احتوتها الأوراق واختزنتها الذَّاكرة من قبل سبع سنوات، ومازال الكونُ يحكي قِصَّة بطلٍ اسمُه ((حمد))، سجّل تاريخُ قطر اسمَه بأحرفَ من نورٍ، كما سجلّت شعوبُ الأمَّة مواقفَه وأقوالَه المشرّفة وأدواره التاريخية في دعم ونصرة المظلومين والمضطهدين والمستضعفين فيها، لقد ((حَكَمَ فَعَدَلَ فَأَمِنَ فَنَامَ))، وهكذا هي سيرة ومسيرة القادة الأبطال في كلّ التاريخ.

فإنْ كان الشيخ جاسم بن محمَّد هو مؤسس قطر، فالشيخ حمد بن خليفة هو مؤسّس قطر الحديثة، بكل ما يرى على ثراها من إنجازات ونجاحات، تبهر النَّاظر إليها وتسرّ المتتبّع لروعة أدائها وحسن إدارتها وجميل تميّزها.

هو مؤسّس حداثتها بأميرها الشيخ تميم بن حمد، ومن ارتبط اسمُه بكل عزٍّ وفخرٍ ومجدٍ، الذي يبادل شعبه حبّاً بحبّ، ويمضي على النَّهج نفسه والسّيرة ذاتها، ما استشعرناه في قلوبنا وعايشناه على أرض الواقع، في هذه الفترة غير الاعتيادية التي تمرّ بها دولة قطر.

حفظهم الله تعالى جميعاً، والداً وولداً، وجزاهم الله سبحانه خيرَ ما يجزي الولاة العادلين عن شعوبهم.

كلمات نبثّها بالأوراق هي أقلّ ما يمكننا أن نردّ بها الجزاء، إلاَّ بهذه الشهادة مصداقاً لقول الرَّسول، صلّى الله عليه وسلّم: ((الملائكةُ شهداءُ اللهِ في السَّماءِ، وأنتُم شهداءُ اللهِ في الأرضِ))[1].

 فاللَّهم إنَّنا نشهد ((بأنَّهم حكموا فأحسنوا)).

 

[1]  أخرجه الإمام النسائي في سننه عن أبي هريرة، رضي الله عنه.

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة