مُحتوى القُصَاصَة
قِصَّة القُصَاصَة

سبحانَ الله الخبير العليم بكلّ شيء، المصرّف بعلمه وقدرته كلَّ أمر وشأن، سبحان من زامن وجود هذه القُصاصة مع أحداث شُغلت بها أمَّتنا الإسلامية، فكانت المادة الثرية لوسائل الإعلان وحسابات التَّواصل الاجتماعي، وذلك لتطبيع بادرت به دولة الإمارات علاقاتها مع العدو المشترك للأمّة العربية والإسلامية، ضاربة عرض الحائط بكل القيم والأعراف والقوانين، معترفة بما يسمّى “إسرائيل” دولة على أرض فلسطين المباركة، وعلى حساب أصحاب الأرض وحقوقهم المشروعة.
واليوم 28/12/1441 هـ الموافق 18/8/2020م، أجدُ هذه القُصاصة، وأنا أقلّبُ قصاصاتي، لأختارَ منها ما أكتبُ قصَّته، فإذا هي بين يديَّ، قصاصةٌ من جريدة، فيها نثرٌ للأخت الفاضلة شيخة المحمود، يرحمها الله، خلت القُصاصة من أعلى الصَّفحة، والذي يحمل اسمَ الجريدة، وتاريخَ النشر، ولكنَّها في الفترة التي – يرحمها الله – تشغل منصب وزير التعليم، كما تُبيِّن القُصاصة.
وكشأن جميع قُصاصاتي التي أجمعها في هذا الكتاب، تحمل في طيّاتها ويجمع بينها عاملٌ مشتركٌ واحدٌ؛ فهي إمَّا مشاعر أثيرت سلباً أو إيجاباً، أو إثراء لمعلوماتي في قضية يهمّني أمرها، وهو الأمرُ الذي وجدته في هذه القُصَاصَة.
فصاحبةُ القُصاصة أختٌ فاضلة عَرفتها عن قربٍ، في سَفْرَةٍ رسميَّةٍ، وفي اعتقادي أنَّ من الأهمية بمكانٍ معرفة منْ تقرأ له، كما يُوصِي بذلك الدكتورُ مصطفى السّباعي – يرحمه الله – عندما كتب: (كلُّ مؤلف تقرأ له يترك في تفكيرك مساربَ وأخاديدَ، فلا تقرأ إلاَّ لمن تعرفه بعمق التَّفكير وصدق التَّعبير، وحرارة القلم واستقامة الضَّمير) .
لقد عاشرتها في هذه السَّفرة، فوجدت فيها تلك الشَّخصية الرَّزينة والسَّمت المُبهر والفكر الوقَّاد، ولمست فيها صِدقَ التَّعبير واستقامة الضَّمير، لقد تجسَّد العلم فكوّنها وتلبَّس الخشية لله فزكّاها – ولا نزكّيها على الله –.
إنَّ حقّها علينا دعاء لله سبحانه نرفعه، ونسأل الله تعالى أن يتقبَّلها في الصَّالحين، وينزلها منازل الأتقياء المخلصين.
أُقلِّبُ قصاصةً احتوت صورَتَها وكلماتِها، وأتنقَّل بين سطورها وكأنَّها ترى ما نحن عليه اليوم، فترجو بكلماتها استنهاضَ هِمَمٍ وهَبَّةَ أُمَمٍ.
فطالما كان للشِّعر الجميل أثرٌ كبيرٌ في استنهاض الهِمَمِ ونَشْرِ الأملِ وتعزيزِ للقيم وتأكيدِ المبادئ، يقول سيّدُ قطب – رحمه الله –: (ستبقى كلماتُنا عرائسَ من شمعٍ، حتَّى إذا متنا في سبيلها، دَبَّت فيها الرُّوحُ، وكتبتْ لها الحياة) .
نقرأ في كلماتها وقد يُمدّ غزّة في فلسطين وأهلها الصَّابرين المرابطين بالعِزَّة والصُّمود والأمل:

يا نقطةَ الأملِ المضيء تَمَاسَكِي
وامْضِي بِعَزْمٍ صَارمٍ مُتَجَدِّدِ

فهي السيّدة التي لم تشغلها مسؤوليات وزارة تسلَّمتها (هي من أكبر الوزارات) عن قضايا أمَّتها، وهذا هو شأنُ عظماء الأمَّة، وديدنُ الأحرار في التَّاريخ، ولا يتيقَّن ذلك إلاَّ عظيمٌ عَلِمَ قداسة معتقده، وعرفَ خيرية ومكانة أمَّته، وأدركَ عظيمَ وَاجِبِه ومسؤوليته.
رحمها الله، فقد توفاها الله تعالى، ولم تدرك أمَّتها، وهي تنعى فلسطين، اسمَها وأرضَها، قضيتها وقدسيتها، وترى أمَّةً تقزَّمت حين تتسابق للتبرّع بولائها لعدوّها المغتصب، للأرض والمسرى والعِرض والمقدسات.
ولولا كتابٌ كريمٌ خصَّنا الله به، دستوراً وإرشاداً وتوجيهاً، نستلهم منه رشدنا ونرسم من خلاله علاقاتنا، ونقرأ فيه ذكرنا، ونرى فيه طريقنا، ويحدّد فيه مصيرنا، تاركاً الخيار لنا، لولا هذا الكتاب العزيز الذي لا يـأتيه الباطل، لأصبحنا أمَّة تبكي حاضراً تفاقمت همومه، وبتحسرنا على أقوام تساقطوا في أوحاله، وكانوا أداة ضعفه وانهزامه!
لقد جاءت الآيات القرآنية من قبل 1400 عام، تحذّر من اتخاذ الأعداء أولياء، مبيّنة عقوبة ذلك، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. (المائدة:51).
ثمَّ بيَّنت الدّلائلَ بالآيات في كتابنا العزيز، لتكشف صورة من تلوَّث بدنُهم بصفقات مشبوهة، وتفضح سوءتهم المتخفيّة وراء تطبيع مع العدو مشين، وتبيّن خزيهم في الدنيا وسوء مصيرهم في الآخرة: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}. (المائدة:52).
حينها لا ينفع النَّدم، يوم هم خانوا العهد بولاية الأعداء وعدم الوقوف مع الفئة التي مدحها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)) .
لا ينفعهم النّدم وتصيبهم الحسرة يومَ يفرح المؤمنون والمرابطون والمدافعون عن القدس والمسجد الأقصى بنصر الله الموعود: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}. (الروم:05).
لأنَّهم (خَبَثٌ) تأبى قدسية فلسطين وأرضها المباركة أن تشركهم في شرف استردادها، والَّذي هو حتماً حاصلٌ، نراه بعين اليقين، لأنَّه وعدُ ربِّ العالمين وبشارةُ رسولِه الأمين: ((لا تقومُ السَّاعة حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ فيقتلهم المسلمون، حتَّى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشَّجر، فيقول الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلاَّ الغرقد فإنَّه من شجر اليهود)) .
سائلين الله تعالى أن يكون لنا في ذلك النَّصيب.
لقد كانت – يرحمها الله – مؤمنة بالخيرية في أمَّتها، فجاءت كلماتُها تبثّ الأملَ فيهم، تجدّد العمل والتضحية، موجّهةً إيَّاهم للأخذ بأسباب النَّصر:
فَغَداً سَتَنْزَاحُ الكُرُوبُ وتَنْجَلِي
يَا أمَّةَ الإسْلاَمِ لِلْحَقّ اِرْجِعِي
وتَثَبَّتِي بالعُرْوَةِ الوُثْقَى أَمْسِكِي
فَبِدُونِهَا وَبِدُونِهَا لَنْ تُنْصَرِي

إنَّ أقلَّ المطلوبِ في هذه الأحداث الكبرى التي تعصفُ بالأمَّة الإسلامية، هو أنْ تدبَّ الرّوح وتُجدّد الحياة في الكلماتِ والمواقف والتصريحات والبياناتِ والفَتَاوى لمناصرة فلسطين، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى المبارك، القبلة الأولى ومسرى رسولنا – عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام – ومعراجه إلى السَّماء، إنَّها قضية الأمَّة الإسلامية الأولى؛ ففلسطين كانت وستبقى أرضُها المباركة ((دِيناً))، والمسجد الأقصى المبارك بقدسيته ((عقيدة)).
رَحِمَ الله صاحبتنا، وتحقّق عاجلاً، ما ترجوه في أمَّتها، وجمعنا بهم في فردوسه، برحمته التي وَسِعَتْ كلَّ شيء.

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة