مُحتوى القُصَاصَة

الحبيبة الغَالية، جزاكِ الله خيراً، وباركَ فيك على محبَّتك لي ومناصحتي، ويعلمُ الله كمْ للمناصحين والنَّاقدين المخلصين من مكانة في قلبي ومحبَّةٍ وإجلالٍ، وأنتِ منهم.

لذلك أبعثُ لك برسالتي، وهي عبارةٌ عن شَطرين؛ أولّهما: حقٌّ لي في توضيح ما أشْكَل.

والشَّطر الثاني: حقٌّ لكِ عسى أن يكون زادٌ لكِ في مشوارك الدَّعوي المبارك.

قِصَّة القُصَاصَة

هي مقدّمة لرسالة كتبتها ردّاً على كتابٍ حملته لي باليد، إحدى القريبات ومتحفظة على مرسله، وكان بودّي لو كان هو القُصاصة التي أكتبُ قصَّتها ، ولكنْ لحكمةٍ أرادها الله، لم أجد هذه القصاصة المرسلة، ووجدت رَدّي عليها ، فآثرتُ أن يكون ضمن القُصاصات التي أكتبُ قصَّتها، بل قد يكون من أهمِّها؛ لمعالجته أموراً وقضايا ومسائل كثيراً ما نتعرّض لها في مجتمعنا، خاصَّة النسائيّ منها ، ولأنَّ الردَّ تعرَّض لنقاط مهمَّة ذكرت في هذا الكتاب، وبالتَّالي ممكن أن يعطي الفكرة الواضحة عن محتواه، وقد استلمت الكتاب عل خلفيةِ حفلٍ أقامته بناتنا في مزرعتنا، احتفاءً بزيارة إحدى القريبات (من السّعودية)، دعوا فيه الجميعَ من قريبات وصديقات وزميلات، وبوجود فرقة غِنائية نسائية .

وإليكم ما جاء في الردّ، ولنبدأ بما بدأ به:

—————————-

ولنبدأ بعد اسمِ الله، بالشَّطر الأوَّل؛ فالحفلة لم تتم إلاّ بموافقتنا كعائلة، وليس كفرد، وبعد اطّلاع جميع العائلة على فقراتها ومعازيمها وآدابها وأخلاقها، وقبل ذلك كلّه كان السعيّ لنيل رضى ربّ العالمين هدفنا، الذي نتحرَّك في أفضاله وإنعامه وستره، فجميع الحضور من الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب وبنات مجتمعنا، والذي اتفقت مع بناتي على أهدافٍ نُحقِّقها من هذه ((الجَمْعَة))، ورسائلَ نريدُ توصيلَها من خلالها:

  • التواصلُ.
  • الاحتفاءُ بالضَّيف وإظهارُ الفرح به.
  • صِلةُ الرَّحم.
  • اللّباسُ المحتشم.
  • حسنُ الاستقبال وطيبُ الكلام وإظهارُ المحبَّة للزائر.
  • الامتنانُ بقَبُول الدَّعوة.
  • إشاعةُ الأنس والفرح بين الحضور.
  • تفريغُ الطَّاقاتِ الشبابية في أجواء آمنة.
  • وأهمُّها: أن يعلمَ الجميعُ أنَّ ديننا دينُ سماحة ويُسر، ويتّسع لكلِّ مظاهر الفرح والسُّرور، وأنَّه دينُ الأخلاق والمحبَّة، وليس هو دينُ الحِرمان والعبوس واعتزال الحياة، وفيه من السَّعَة ما يجعل الإنسان به سعيداً وبأحكامه وشرائعه مستأنساً، ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة ((قصَّة الصّبيان وهم يرقصون في المسجد))، ودعوته للخنساء لتطربه بشعرها، وقوله صلَّى الله عليه وسلّم: ((هِيهِ يا خُنَاس))[1]، وكلّ ذلك ممكنٌ أن يحدث في رضا الله ورضوانه سبحانه.
  • أمَّا بالنسبة للموسيقى، فلي وجهة نظر نابعة من فهمي لديني وروح الشريعة الغرّاء التي جاءت رحمةً ويسراً للبشرية جمعاء، مستلهمة ذلك من كتابه سبحانه وسيرة رسوله الكريم، والتي فيها مجالٌ لقبول الاختلاف، واستيعاب لتعدّد آراء الفقهاء، ولو كان عندي أدنى شكُّ في تحريمه ما جعلته يخترق سمعي، فضلاً عن أسمح به في مكاني، أو أحضره في أفراح الآخرين، ولكنّني على يقين من قوله، صلّى الله عليه وسلّم: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ))، والحمد لله على ستره وعفوه.
  • أمّا شطر رسالتي الثاني، فهو كلامٌ محبّ مُخلص لكِ، لأنَّه ما جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان، أرجو أن تضعيه دائماً أمام عينك في مجال دعوتك، قولك: ((سمعت عن حفلة أقيمت في عزبتكم))، فدائماً تأكّدي ممَّا تسمعين، وحبَّذا لو كان من أصحاب الشأن أنفسهم.
  • انظري للطرف الآخر، نظرة الحبّ والشفقة عليهم من المعصية وخاطبيهم من خلالها: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِين}. (الطور:26) فأصحابُ الحفلة بناتك أو أخواتك، والمدعوون هم بنات مجتمعك.
  • لا يعالج الخطأ بخطأ أكبر منه، فالقذف كبيرة من الكبائر، بل الأمرُ يحتاجُ إلى دليلٍ وبرهانٍ، فأين الدَّليلُ على جملتك التي ذكرتيها ((فكيف ترضين بمن لعنه الرَّسول في حضور ومجالسة بناتك والرَّقص معهم)) ؟!

 فليس من الحقّ أن أحكمَ على حفلةٍ بأكملها، بسبب فتاةٍ واحدةٍ تلبس جلابية سادة، جبلت عليها من طفولتها، وهي من أسرة محترمة، ومن أكثر البنات ستراً وحجاباً وصلاةً وعملاً للخير، ولم ترقص في حياتها قطُّ.

  • النَّصيحة دائماً تنتقي الألفاظ وتوجيه الكلام، لابدّ من أن يبنى على الدَّلائل، فما الدليلُ على ما ذكرتيه ((بناتك ماشين على هواهم ولا رادع دين ولا احترام لأمهم الدَّاعية))؟

ولابدّ من أن يبنى الكلام الموجّه في النصيحة على الدَّلائل، فما الدليلُ على ما ذكرتيه ((بناتك ماشين على هواهم ولا رادع دين ولا احترام لأمهم الدَّاعية))؟

أليس لهم حقّ أخوَّة الدّين والدّفاع على العِرْض، فضلاً عن إلقاء الكلمات جُزافاً، أمر نبي موسى ليخاطب فرعون، فقال: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}. (طه:44). فكيف إذا كانت مخاطبة هؤلاء الفتيات؛ وهنّ الموحّدات لله سبحانه، وإنّي والله أشهده سبحانه أنَّهن من أكثر الفتيات، مخافة لله، وطاعة لوالديهم، وحسن خلق ومحبّة للآخرين.

  • ذكرت ((حزّ في نفسي ما سمعت وتناقلته الألسن))، أليسَ منكم رجلٌ رشيدٌ، يقول ما يمكن هذه العائلة تتجاوز حدود ربّها، ومنهم الدّعاةُ والخادمون لدين الله تعالى.
  • ذكرت ((والأدهى أنّك كنت حاضرتها وكأنَّك غير موجودة))، فليكن ديدنك في الدَّعوة والعاملين فيها، بل في النَّاس جميعاً، حسن الظنّ فيهم، كما قال سبحانه (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}. (النور:12)، فقد يكون من أصحاب الشأن أسبق وأعمق في مجال الدَّعوة أو أكبر سناً وخشية وعلماً، أوليس من حقّي عليك أن تقدري هذا الوجود سواءً في الحفلة أو بطريقة هذا الخطاب.
  • وفي الأخير، غاليتي، لا تثريبَ عليك، فو الله، إنّي لسعيدة بكِ، وفرحة بأن يحوي مجتمعنا أمثالك وحماسك، وأسأل الله أن يثبتك ويثيبك على اجتهادك، وأن تكون رسالتي عوناً لكِ على كلّ خير تقومين فيه في مجال المناصحة والدَّعوة.

الشاكرة لله أولاً ثمَّ لكِ

محبّتك، أمّ علي

18-2-2013

[1]  قال ابن عبد البر في سيرة الخنساء رضي الله عنها: قَدِمت عَلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قومها من بني سليم، فأسلمت معهم، فَذَكَرُوا أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يستنشدها فيعجبه شعرها، وكانت تنشده، وَهُوَ يقول: “هيه يَا خُناس”، أَوْ يومِي بيده.

[1]  أخرجه الإمام النسائي في سننه عن أبي هريرة، رضي الله عنه.

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة