لم تكن المنشآت في يوم من الأيام دليلاً على رقي أمة من الأمم، بل إن أصدق ميزان لذلك هو صدق أفرادها في أقوالهم وأعمالهم. ولذلك كانت رسالة الأديان جميعها، السمو بالأخلاق، كما أنه لم يحذر من خلق كما حذر من آفة الكذب لهلاكه للأفراد والجماعات، كما قال تعالى في سورة طه آية 61 (وقد خاب من افترى).
فإذا كان الحريق قد دمر جزءا من مجمع فيلاجيو وذهب ضحيته 14 طفلاً ورجلان، نحسب الأطفال فرطاً عند الله سبحانه وتعالى ينعمون في كنفه، والرجال شهداء واجب عنده سبحانه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إلا أن هناك فريقاً آخر اقترف من السلوكيات السيئة والأخلاق المنبوذة ما تحرق أمة بأكملها وليس مجتمعاً صغيراً كمجتمعنا القطري.
هم أولئك من يستبشرون بالأحداث على مختلف أنواعها ويتربصون أخطاء غيرهم فتلوكها زيادةً ونقصاناً ألسنتهم وتلعب في صياغتها ونشرها أناملهم، هم أولئك من سخروا نعماً في ضدها واستخدموا إمكانات وتكنولوجيا على غير وجهها، إنهم ممن يفرح لكبوة اخوانهم متناسين أنهم قد يكونون يوماً في محلهم، شاهرين ألسنتهم، ومستبيحين أعراضهم.
هم أولئك ممن ترجف بتصرفاتهم المجتمعات وتروج الشائعات دون التحري من صدقها والتثبت قبل نشرها وأدنى مسؤولية من أثرها وتداعياتها، كما حدث في حادثة فيلاجيو وكذلك حوادث سبقتها أفرزت ظواهر عانت منها مجتمعاتنا هي “اللا مسؤولية الشخصية واللا مسؤولية المجتمعية “حيث يتخلى الإنسان عن مسؤوليته تجاه نفسه بحفظ جوارحه متجاهلاً التوجيه الرباني (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) في إشارة إلى عظم التبعات لكل ما يغترفه الفرد من خلال سمعه وبصره ونواياه.
وهو في حالة اللاوعي لكل ما يحدث من إرباك بكلمة لا يلقي لها بالاً قد تشترك فيها جميع جوارحه من لسان وبصر وأنامل تعبث بتلك الأجهزة المتطورة، استشراءً لفساد لا يعلم مداه إلا الله.
إننا مسؤولون وعند الله موقوفون، مسؤولون عن مجتمع علينا أن نرسي قواعد أمنه وطمأنينته ومسؤولون عن مجتمع نساهم في عافيته وسلامته من كل ما يرجفه ويزعزع الثقة بين أفراده، مسؤولون عن جوارح يجب أن نحفظ الله فيها حتى يحفظها لنا سبحانه، ومسؤولون عن نعم توافرت لنا، علينا أن نشكر الله بحسن استخدامها.
إننا مسؤولون عن اخوة لنا تأبى الأخوة الإيمانية أن نسلمهم للشائعات أو أن نستحل لحومهم، فليس من العدالة والإنصاف ترصد أخطائهم والتنقيص من أعمال طيبة ساهموا فيها والتخلي عنهم عند تعثرهم، بل من واجبات الأخوة أن نبحث عما ننصرهم به ونعينهم على القيام من كبوتهم داعين لهم ومدافعين عن عرضهم كما قال صلى الله عليه وسلم في معنى حديثه “من ذب عن عرض أخيه ذب الله عن عرضه يوم القيامه” فعلينا أن نتذكر تلك الإيجابيات التي تبقي على روابط الأخوة والرحمة بيننا والتي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بها “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”، فهم أبناؤنا وبناتنا وعسى أن يشفع لهم نهضة عمرانية أو علمية سعوا لها وحسن نية نوكلها الى رب عادل يحاسبهم عليها وقضاء عادل يخفف الحمل والمعاناة عنهم وآباء وأمهات من الخير والصلاح ورثوا لهم ولعلها كبوة لهم فيها من الدروس والعظة ما يطهر به صحائفهم وأموالهم ويكون رادعاً لكثير من التجاوزات والاستثناءت لآخرين أمهلوا وقد آن أن يتطهر هذا البلد منها فما جزاء الأحسان إلا الإحسان.
أخيراً يجب ألا ينسى كل فرد قبل أن يشرع بكلمته أو يرسل تغريدته أن لديه رقيبا عتيدا، يكتب كل لفظ من قول في كتاب لا يضل ربك ولا ينسى، فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك يوم القيامة أن تراه.

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة