الحرية بكل ما تعني من حروف وتحمل من معانٍ وترنو اليه من معالٍ لم تمارس مثلما مارسها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأصحابه من بعده ومع ذلك لم يردنا في قرآن كريم أو سنة مطهرة أو سيرة عطرة لفظ يخدش في عليائها أو عمل يشوه أهدافها ولم تحقق أمتنا الإسلامية من النهضة والرقي في شتى ميادين حياتها السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية مثل ما حققته في تلك الفترات، فهل يتدبر أولئك السياسيون والاعلاميون والمربون أسباب نكستهم وتردي نتاجهم وهوانهم على الله والناس.
ألم يدركوا أن الحرية ليست مطلبا حديثا بل هي مطلب إنساني لتحقيقه شرعت الديانات وأنزلت الكتب وأرسلت الرسل، أولها حرية العقيدة التي أبى المشركون على الموحدين أن ينعموا بها، ثم حرية الشعوب في عقولهم وأخلاقهم ومعيشتهم الكريمة، التي أبى اللا دينيون وعباد الأشخاص والشهوات ألا يسلبوها منهم، وما ثوراتنا العربية التي نراها اليوم، التي تكبدت الشعوب في شمال إفريقيا وما تزال شعوب الشام واليمن تعاني مخاضها إلا طلباً للحرية من استبداد الظالمين والمسرفين في شؤونها وأرزاقها وكرامتها.
وما تزال هناك حريات تتطلع الأمة لتحقيقها هي حرية الفكر والعلم والرزق والعمل والحكم والإدارة وهي كفيلة بفك أغلال الفساد والتخلف التي تراجعت بأمتنا وجعلتها في ذيل الأمم.
إن ممارسة الحرية بأدب مطلب حتى لا تصير فوضى تتكبد لظاها الأمة، كما هو حاصل بالشام لقد أساء “آل أسد” ممارستها وصلى بنارها شعبه، لقد عطل جميع حرياتهم العقدية والسياسية وسلب حريتهم في التفكير وتدخل في موارد رزقهم وخرج على أمن المجتمع وسلامته، ولا ننكر أن الأمة شاركته سنين بصمتها وها هي تدفع الثمن غالياً. وعسى أن يكفر ذلك رجوع الى ربهم وتكبيرات تدحر زئير أسدهم وجيوش تطلب عفو ربها وغفران شعوب ما وجدت هذه الجيوش إلا لتدافع عنها وصفحات لهم سوداء تطلب من التاريخ أن يسامحها فيه. إن أداة تأديب آل أسد جيشه كما كانت أداة تأديب زين وحسني ومعمر (ممن ليس لهم من أسمائهم نصيب).
أما وسائلنا الإعلامية، خاصة تلك الشاشات الفضية والصحف الرسمية، لن تغفر لكم الشعوب جرجرتها في مواضيع خلاصتها ألفاظ نابية وأخلاق هابطة وحقائق مظللة وتصرفات شائنة تبث على قنواتكم أو تكتب بأقلامكم، إن الأدوات التي تتاح لكم لاستخدامها، سواء كانت برامج فضائية أو صفحات من صحيفة أعطيتم حرية إدارتها فحولتموها الى فوضى وفساد تضرب في الأخلاق والمجتمع هي تزوير باطل لأنبل مبدأ من مبادئ الحياة الإنسانية ولن يغفر لكم أهمية ما تتناولونه من موضوع فلقد أذهب سوء الأدب أهمية ما تقولون أو تكتبون وما نزال نأمل في صحافتنا تجنب هذه المنزلقات، وكذلك قنواتنا الفضائية، خاصة الجزيرة فما حصل مساء الثلاثاء لا يتناسب مع ما تحمله من شعار يحترم الفكر ويؤكد الحرية.
أما في الحياة السياسية فقد فهمت الحرية خطأ وتقدمت رداءة الجوهر وانحطاط الأخلاق لتكشف ما وراءها من دناءة تطلعات لا يمكن تبريرها، حتى أن الحرية التي يبحث عنها ويتطلع الى ديمقراطية تحققها أصبحت في إحدى دولنا الإسلامية الخليجية وفي برنامجها الانتخابي فرجة لمن أراد أن يطلع على معجم أبشع الألفاظ وأسوأ الأخلاق وأردأ النوعيات، تخدمهم أقبح وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة.، فأحسن الله عزاء إخواننا وعظم أجرهم، فمصابهم عظيم أن كان من يمثلهم على مثل هذه الشاكلة، وما على المجتمع إلا أن يأدبوا كل خارج منهم على الدين والخلق والذوق، ويحاصروهم في أضيق زاوية اجتماعية حتى يكونوا أهلاً لتمثيلهم ومؤتمنين على وسائل إعلامهم.
لقد ضرب لنا رسولنا العظيم أروع الأمثلة ليبين لنا الحد الفاصل بين الحرية والفوضى في مثال تلك السفينة التي أراد أصحابه أن يخرقوا ثقباً ليشربوا الماء فمنعهم من فوقهم، وبرر لهم صلى الله عليه وسلم فقال “فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وأن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً”، إن في هذا المثل توجيه للأمة ليأدبوا ممن يسيئون استعمال حريتهم الشخصية بما يؤذي الشعب والوطن.
إنه ليس هناك فرق بين من يعتدي على الأموال والأنفس وبين من يعتدي على القيم والأخلاق وعلى إعلاميينا وسياسيي أمتنا أن يشعروا بحق المجتمع عليهم وبحق الأمة أن تمارس حرياتها في حرية عيش لا تهان فيه كرامتهم وحرية دين لا تسمم فيه عقولهم وأفكارهم وحرية صحافة وأعلام لا تنتهك فيه الأعراض وتستباح الحرمات، تلك جميعها حريات مطلوبة يجب أن تتوافر لكل مواطن، ولمن يتجاوزها فعليه أن تقيد حريته وهذا هو المفهوم الصحيح لمعنى الحرية.
فإلى من تولى أمراً وأتيحت له مساحة أياً كان نوعها أن يدرك قوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الأنفال 27.
وأخيراً لكل سياسي وإعلامي وباحث عن أي دور في هذا المجتمع لكي يرى الحرية وآدابها في أسمى معانيها فستراها غداً في شخص من سيتحدث على منبر جامع الأمام محمد بن عبدالوهاب فاعتبروا يا أولي الأبصار

النشرة البريدية

اشترك فى النشرة البريدية لمعرفة كل جيد عن الدكتورة نورة